فصل: ذكر ملك الروم ملطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر خلع حبيب بن مرة المري:

وفي هذه السنة بيض حبيب بن مرة المري وخلع هو ومن معه من أهل البثنية وحوران، وكان خلعهم قبل خلع أبي الورد، فسار إليه عبد الله وقاتله دفعاتٍ، وكان حبيب من قواد مروان وفرسانه.
وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وقومه، فبايعته قيس وغيرهم ممن يليهم. فلما بلغ عبد الله خروج أبي الورد ةتبييضه دعا حبيباً إلى الصلح، فصالحه وآمنه ومن معه وسار نحو أبي الورد.

.ذكر خلع أبي الورد وأهل دمشق:

وفيها خلع أبو الورد مجزاة بن الكوثرة بن زفر بن الحارث الكلابي، وكان من أصحاب مروان وقواده.
وكان سبب ذلك أن مروان لما انهزم قام أبو الورد بقنسرين، فقدمها عبد الله بن علي فبايعه أبو الورد ودخل فيما دخل فيه جنده، وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد من قواد عبد الله بن علي فبعث بولد مسلمة ونسائهم، فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد، فخرج من مزرعة له يقال لها خساف فقتل ذلك القائد ومن معه وأظهر التبييض والخلع لعبد الله، ودعا أهل قنسرين إلى ذلك، فبيضوا أجمعهم، والسفاح يومئذ بالحيرة، وعبد الله بن علي مشتغل بحرب حبيب بن مرة المري بأرض البلقاء وحوران والبثنية، على ماذكرناه.
فلما بلغ عبد الله بييض أهل قنسرين وخلعهم صالح حبيب بن مرة وسار نحو قنسرين للقاء أبي الورد، فمر بدمشق فخلف بها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف، وكان بدمشق أهل عبد الله وأمهات أولاده وثقله، فلما قدم حمص انتقض له أهل دمشق وبيضوا وقاموا مع عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي فلقوا أبا غانم ومن معه فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلةً عظيمة وانتهبوا ما كان عبد الله خلف من ثقله ولم يعرضوا لأهله واجتمعوا على الخلاف. وسار عبد الله، وكان قد اجتمع مع أبي الورد جماعة من أهل قنسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر، فقدم منهم ألوف عليهم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، ودعوا إليه، وقالوا: هذا السفياني الذي كان يذكر، وهم في نحو من أربعين ألفاً، فعسكروا بمرج الأخرم، ودنا منهم عبد الله بن علي ووجه إليهم أخاه عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف، وكان أبو الورد هو المدبر لعسكر قنسرين وصاحب القتال، فناهضهم القتال، وكثر القتل في الفريقين، وانكشف عبد الصمد ومن معه، وقتل منهم ألوف ولحق بأخيه عبد الله.
فأقبلى عبد الله معه وجماعة القواد فالتقوا ثانيةً بمرج الأخرم فاقتتلوا قتالاً شديداً، وثبت عبد الله، فانهزم أصحاب أبي الورد وثبت هو في نحو من خمسمائة من قومه وأصحابه فقتلوا جميعاً، وهرب أبو محمد ومن معه حتى لحقوا بتدمر، وآمن عبد الله أهل قنسرين وسودوا وبايعوه ودخلوا في طاعته.
ثم انصرف راجعاً إلى أهل دمشق لما كان من تبييضهم عليه، فلما دنا منهم هرب الناس ولم يكن منهم قتال، وآمن عبد الله أهلها وبايعوه ولم يأخذهم بما كان منهم.
ولم يزل أبو محمد السفياني متغيباً هارباً ولحق بأرض الحجاز وبقي كذلك إلى أيام المنصور، فبلغ زياد بن هبد الله الحارثي عامل المنصور مكانه، فبعث إليه خيلاً فقاتلوه فقتلوه وأحذوا ابنين له أسيرين، فبعث زياد برأس أبي محمد بن عبد الله السفياني وبابنيه، فأطلقهما المنصور وآمنهما.
وقيل: إن حرب عبد الله وأبي الورد كانت سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ومائة.

.ذكر تبييض أهل الجزيرة وخلعهم:

وفي هذه السنة بيض أهل الجزيرة وخلعوا أبا العباس السفاح وساروا إلى حران وبها موسى بن كعب في ثلاثة آلاف من جند السفاح فحاصروه بها وليس على أهل الجزيرة رأس يجمعهم، فقدم عليهم إسحاق بن مسلم العقيلي من أرمينية، وكان سار عنها حين بلغه هزيمة مروان، فاجتمع عليه أهل الجزيرة وحاصر موسى بن كعب نحواً من الشهرين.
ووجه أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر فيمن كان معه من الجنود بواسط محاصرين ابن هبيرة، فسار فاجتاز بقرقيسيا والرقة، وأهلهما قد تبيضوا، وسار نحو حران، فرحل إسحاق بن مسلم إلى الرهاء، وذلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وخرج موسى بن كعب من حران فلقي أبا جعفر.
ووجه إسحاق بن مسلم أخاه بكار بن مسلم إلى ربيعة بدارا ومادرين، ورئيس ربيعة يومئذ رجل من الحرورية يقال له بريكة، فعمد إليهم أبو جعفر فلقيهم، فقاتلوه قتالاً شديداً، وقتل بريكة في المعركة، وانصرف بكار إلى أخيه إسحاق بالرهاء، فخلفه إسحاق بها وسار إلى سميساط في عظم عسكره،وأقبل أبو جعفر إلى الرهاء، وكان بينهم وبين بكار وقعات.
وكتب السفاح إلى عبد الله بن علي يأمره أن يسير في جنوده إلى سمياط، فسار حتى نزل بإزاء إسحاق بسمياط، وإسحاق في ستين ألفاً وبينهم الفرات، وأقبل أبو جعفر من الرهاء وحاصر إسحاق بسميساط سبعة أشهر، وكان إسحاق يقول: في عنقي بيعة، فأنا لا ادعها حتى أعلم أن صاحبها مات أوقتل.
فأرسله إليه أبو جعفر: إن مروان قد قتل. فقالك حتى أتيقن. فلما تيقن قتله طلب الصلح والأمان، فكتبوا إلى السفاح بذلك وأمرهم أن يؤمنوه ومن معه، فكتبوا بينهم كتاباً بذلك، وخرج إسحاق إلى أبي جعفر، وكان عنده من آثر صحابته، واستقام أهل الجزيرة والشام، وولى أبو العباس أخاه أبا جعفر الجزيرة وأرمينية وأذربيجان، فلم يزل عليها حتى استخلف.
وقد قيل: إن عبد الله بن علي هو الذي آمن إسحاق بن مسلم.

.ذكر قتل أبي سلمة الخلال وسليمان بن كثير:

قد ذكرنا ما كان من أبي سلمة في أمر أبي العباس السفاح ومن كان معه من بني هاشم عند قدومهم الكوفة بحيث صار عندهم متهماً، وتغير السفاح عليه وهو بعسكره بحمام أعين، ثم تحول عنه إلى المدينة الهاشمية فنزل قصر الإمارة بها وهو متكر لأبي سلمة.وكتب إلى أبي مسلم يعلمه رأيه فيه وما كان هم به من الغش، وكتب إليه أبو مسلم: إن كان أمير المؤمنين اطلع على ذلك منه فليقتله.
فقال داود بن علي للسفاح: لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج بها أبو مسلم عليك واهل خراسان الذين معك أصحابه، وحاله فيهم حاله، ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله.
فكتب إليه، فبعث أبو مسلم مرار بن أنس ال2ضبي لقتله، فقدم على السفاح فأعلمه بسبب قدومه، فأمر السفاح منادياً فنادى: إن أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة ودعاه فكساه، ثم دخل عليه بعد ذلك ليلة فلم يزل عنده حتى ذهب عامل الليل، ثم انصرف إلى منزله وحده، فعرض له مرار ابن أنس ومن معه من أعوانه فقتلوه وقالوا: قتله الخوارج، ثم أخرج من الغد فصلى عليه يحيى بن محمد بن علي ودفن بالمدينة الهاشمية عند الكوفة، فقال سليمان بن المهاجر البجلي.
إن الوزير وزير آل محمد ** وأدى فمن يشناك صار وزيرا

وكان يقال لأبي سلمة: وزير آل محمد، ولأبي مسلم، فملا قدم على أبي مسلم سايره عبيد الله بن الحسن الأعرج وسلميان بن كثير، فقال سليمان بن كثير لعبيد الله: يا هذا إنا كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا شئتم فادعونا إلى ما تريدون. فظن عبيد الله أنه دسيس من أبي مسلم، فأتى أبا مسلم فأخبره وخاف أن يعلمه أن يقتله، فاحضر أبو مسلم سليمان بن كثير وقال له: احفظ قوزل الإمام لي من اتهمته فاقتله؟ قال: نعم. قال: فإني اتهمتك. قال: أنشدك الله! قال: لا تناشدني، فانت منطوٍ على غش الإمام، وأمر بضرب عنقه.
ورجع أبو جعفر إلى السفاح فقال: لست خليفة ولا أمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله. قال: وكيف؟ قال: والله ما يصنع إلا ما أراد. قال أبو العباس: فاكتمها.
وقد قيل: إن أبا جعفر إنما سار إلى أبي مسلم قبل أن يقتل أبو سلمة.
وكان سبب ذلك أن السفاح لما ظهر تذاكروا ما صنع أبو سلمة فقال بعض من هناك: لعل ما صنع كان من رأي أبي مسلم. فقال السفاح: لئن كان هذا عن رأيه إنا لنعرفن بلاء إلا أن يدفعه الله عنا. وأرسل أخاه أبا جعفر إلى أبي مسلم ليعلم رأيه. فسار إليه وأعلمه ما كان من أبي سلمة فأرسل مرار بن أنس فقتله.

.ذكر محاصرة ابن هبيرة بواسط:

قد ذكرنا ما كان من أمر يزيد بن هليرة والجيش الذين لقوه من أهل خاسان مع قحطبة، ثم مع ابنة الحسن، وانهزامه إلى واسط وتحصنه بها، وكان لما انهزم قد وكل بالأثال قوماً، فذهبوا بها، فقال له حوثرة: أين تذهب وقد قتل صاحبهم؟ يعني قحطبة، امض إلى الكوفة ومعك جند كثير، فقاتلهم حتى تقتل أو تظفر. قال: بل نأتي واسطاً فننظر. قال: مكا تريد على أن تمكنه من نفسك وتقتل.
وقال يحيى بن حضين: غنك لو تأتي مروان بشيء أحل إليه من هذه الجنود، فالزم الفارت حتى تأتيه، وأياك وواسطاً فتصير في حصار ولي بعد الحصر إلا القتل. لإابى.
وكان يخاف مروان لأنه كان يكتب إليه بالأمر فيخالفه، فخاف أن يقتله، فأتى واسطاً فتحصن بها؛ وسير أبو سلمة إليه الحسن بن قحطبة فحصره، وأول وقعة كانت بينهم يوم الأربعاء. قال أهل الشام لابن هيرة: ايذن لنا في قتالهم. فأذن لهم، فخرجوا وخرج ابن هبيرة وعلى ميمنته ابنه داود، فالتقوا وعلى ميمنة الحسن خازم بن خزيمة، فحمل خازم على ابن هبيرة، فانهزم هو ومن معه وغص الباب بالناس، ورمى أصحابه بالعرادات، ورجع أهل الشام، فكر عليهم الحسن واضطرهم إلى دجلة، فغرق منهم ناس كثير، فتلقوهم بالسفن وتحاجزوا، فمكثوا سبعة أيام ثم خرجوا إليهم فاقتتلوا وانهزم أهل الشام هزيمةً قبيحة، فدخلوا المدينة، فمكثوا ما شاء الله لا يقاتلون إلا رمياً.
وبلغ ابن هبيرة، وهو في الحصار، أن أبا أمية التغلبي قد سود فأخذه وحبسه، فتكلم ناس من ربيعة في ذلك ومعن بن زائدة السيباني وأخذوا ثلاثة من فزارة رهط ابن هبيرة فحبسوهم. وشتموا ابن هبيرة وقالوا: لا نترك ما في أيدينا حتى يترك ابن هبيرة صاحبنا، وابى أبن هبيرة أن يطلقه، فاعتزل معن وعبد الرحمن بن بشير العجلي فيمن معهما. فقيل لابن هبيرة: هؤلاء فرسانك قد أفسدتهم، وإن تماديت في ذلك كانوا أشد عليك ممن حصرك. فدعا أبا أمية فكساه وخلى سبيله، فاصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه.
وقدم أبو نصر مالك بن الهيثم من ناحية سجستان إلى الحسن، فأوفد الحسن وفداً إلى السفاح بقدوم أبي نصر عليه، وجعل على الوفد غيلان بن عبد الله الخزاعي، وكان غيلان واجداً على الحسن لأنه سرحه إلى روح بن حاتم مدداً له، فلما قدم على السفاح وقال: أشهد أنط أمير المؤمنين، وأنك حبل الله المتين، وأنك إمام المتقين. قال: حاجتك يا غيلان؟ قال: أستغفرك. قال: غفر الله لك. قال غيلان: يا أمير المؤمنين من علينا برجل من أهل بيتك ننظر إلى وجهه وتقر عيننا به. فبعث أخاه أبا جعفر لقتال ابن هبيرة عند رجوعه من خراسان. وكتب إلى الحسن: إن العسكر عسكرك، والقواد قوادك، ولكن أحببت أن يكون أخي حاضراً، فاسمع له وأطع وأحسن موازرته. وكتب إلى مالك بن الهيثم بمثل ذلك.وكان الحسن هو المدبر لأمر ذلك العسكر.
فلما قدم أبو جعفر المنصور على الحسن تحول الحسن عن خيمته وأنزله فيها، وجلعل الحسن على حرس المنصور عثمان بن نهيك.
وقاتلهم مالك بن الهيثم يوماً فانهزم أهل الشام إلى خنادقهم وقد كمن لهم معن وأبو يحيى الجذامي. فملا جازهم أصحاب مالك خرجوا عليهم فقاتلوهم حتى جاء الليل، وابن هبيرة على برج الخلالين، فاقتتلوا ما شاء الله من الليل، وسرح ابن هبيرة إلى معن يأمره بالآنصاف، فانصرف، فمكثوا أياماً، وخرج أهل واسط أيضاً مع معن ومحمد بن نباتة، فقاتلهم أصحاب الحسن فهزموهم إلى دجلة حتى تساقطو فيها ورجعوا وقد قتل ولد مالك بن الهيثم، فملا رآه أبوه قتيلاً قال: لعن الله الحياة بعدك! ثم حملوا على أهل واسط فقاتلوهم حتى المدينة.
وكان مالك يملأ السفن حطباً ثم يضرمها ناراً لتحرق ما مرت به، فكان ابن هبية يجر تلك السفن بكلاليب، فمكثوا كذلك أحد عشر شهراً.
فلما طال عليم الحصار طلبوا لصلح، ولم يطلبوه حتى جاءهم خبر قتل مروان، أتاهم به إسماعيل بن عبد الله القسري وقال لهم: علام تقتلون أنفسكم وقد قتل مروان؟ وتجنى أصحاب ابن هبيرة عليه، فقالت اليمانية: لا نعين مروان زآثاره فينا آثاره. وقالت النزارية: لا تقاتل حتى تقاتل معنا اليمانية، وكان يقاتل معه صعاليك الناس وفتيانهم.
وهم ابن هبيرة بأن يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي، فكتب إليه، فأبطأ جوابه، وكاتب السفاح اليمانية من أصحاب ابن هبيرة وأطمعهم، فخرج إليه زياد بن صالح وزياد بن عبد الله الحارثيان ووعدا ابن هبيرة أن يصلحا له ناحية ابن العباس، فلم يفعلا، وجرت السفراء بين أبي جعفر وابن هبيرة حتى جعل له أماناً وكتب به كتاباً مكث ابن هبية يشاور فيه العلماء أربعين يوماً حتى رضيه فأنفذه إلى أبي جعفر، فأنفذه أبو جعفر إلى أخيه السفاح فأمره بأمضائه.
وكان رأي أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه، وكان السفاح لا يقطع أمراً دون أبي مسلم، وكان أبو الجهم عيناً لأبي مسلم على السفاح، فكتب السفاح إلى أبي مسلم يخبره أمر ابن هبية، فكتب أبو مسلم إليه: إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارةفسد، ولا واله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة.
ولما تم الكتاب خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلاثمائة من الخارية وأراد أن يدخل على دابته، فقام إليه الحاجب سلام بن سليم فقال: مرحباً بك أبا خالد، انزل راشداً! وقد أطاف بحجرة المنصور عشرة آلاف من أهل خراسان، فنزل، ودعا له بوسادة ليجلس عليها، وأدخل القواد ثم أذن لابن هبيرة وحده، فدخل وحادثه ساعةً ثم قام ثم مكث يأتيه يوماً ويتركه يوماً، فكان يأتيه في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل. فقيل لأبيجعفر: إن ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر وما نقص من سلطانه شيء. فأمره أبو جعفر أن لا يأتي إلا في حاشيته فكان يأتي في ثلاثين، ثم صار يأتي في ثلاثة أو أربعة.
وكلم ابن هبيرة المنصور يوماً، فقال له ابن هبيرة: يا هناه! أو: يا أيها المرء! ثم رجع فقال: أيها الأمير إن عهدي بكلام الناس بمثل ما خاطبتك به لقريب فسبقني لساني إلى ما لم أرده.
فألح السفاح على أبي جعفر يأمره بقتل ابن هبيرة وهو يراجعه حتى كتب إليه: والله لتقتلنه أو لأرسلن إليه من يخرجه من حجرتك ثم يتولى قتله.
فعزم على قتله، فبعث خازم بن خزيمة والهيثم بن شعبة بن ظهير وأمرهما بختم بيوت الأموال، ثم بعث إلى وجوه من مع ابن هبيرة من القيسية والمضرية فأحضرهم، فأقبل محمد بن نباتة وحوثرة بن سهيل في اثني وعشرين رجلاً، فخرج سلام بن سليم فقال: أين ابن نباته وحوثرة؟ فدخلا وقد أجلس أبوز جعفر عثمان بن نهيك وغيره في مائة في حجة دون حجرته، فنزعت سيوفهما وكتفا، واستدعى رجلين رجلين يفعل بهما مثل ذلك، قال بعضهم: أعطينمونا عهد الله ثم غدرتم بنا! إنا لنرجو أن يدرككم الله! وجعل ابن نباتة يضرط فيلحية نفسه وقال: كأني كنت أنظر إلى هذا.
وانطلق خازم والهيثم بن شعبة في نحو من مائة إلى ابن هبيرة فقالوا: نريد حمل المال. فقال لحاجبه: دلهم على الخزائن. فأقاموا عند كل بيت نفراً، وأقبلوا نحوه وعنده ابنه داود وعدة من مواليه وبني له صغير في حجرة. فلما أقبلوا نحوه قام حاجبه في وجوههم، فضربه الهيثم بن شعبة على حبل عاتقه فصرعه، وقاتل ابنه داود، وأقبل هو إليه ونحى ابنه من حجرة فال: دونكم هذا الصبي، وخر ساجاً فقتل؛ وحملت رؤوسهم إلى أبي جعفر، ونادى بالأمان للناس إلا الحكم بن عبد الملك بن بشر، وخاد بن سلمة المخزومي، وعمر، بن ذر، فاستأمن زياد بن عبد الله لابن ذر، فأمنه، وهرب الحكم، وآمن أبو جعفر خالداً فقتله السفاح ولم يجز أمان أبي جعفر، فقال أبو العطاء السندي يرثي ابن هبيرة.
ألا إن عيناً لم تجد يوم واسطٍ ** عليك بجاري دمعها لجمود

عشية قام النائحات وصفقت ** أكف بأيدي مأتم وخدود

فإن تمس مهجور الفناء فربما ** أقام به بعد الوفود وفود

فإنك لم تبعد على متعهدٍ ** بلى كل من تحت التراب بعيد

.ذكر قتل عمال أبي سلمة بفارس:

وفي هذه السنة وجه أبو مسلم الخراساني محمد بن الأشعث على فارس وأمره أن يقتل عمال أبي سلمة، ففعل ذلك، فوجه السفاح عمه عيسى ابن علي إلى فارس، وعليها محمد بن الأشعث، فأراد محمد قتل عيسى، فقيل له: إن هذا لا يسوغ لك. فقال: بلى أمرني أبو مسلم أن لا يقدم أحد علي يدعي الولاية من غيره إلا ضربت عنقه؛ ثم ترك عيسى خوفاً من عاقبة قتله واستحلف عبيسى بالأيمان المحرجة أن لا يعلو منبراً ولا يتقلد سيفاً إلا في جهاد، فلم يل عيسى بعد ذلك ولاية ولا تقلد سيفاً إلا في غزو، ثم وجه السفاح بعد ذلك إسماعيل بن علي والياً على فارس.

.ذكر ولاية يحيى بن محمد الموصل وما قيل فيها:

وفي هذه السنة استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل عوض محمد بن صول.
وكان سبب ذلك أن أهل الموصل امتنعوا من طاعة محمد بن صول، وقالوا: يلي علينا مولى الخثعم، وأخرجوه عنهم. فكتب إلى السفاح بذلك واستعمل عليهم أخاه يحيى بن محمد وسيره إليها في اثني عشر ألف رجل، فنزل قصر الإمارة مجانب مسجد الجامع، ولم يظهر لأهل الموصل شيئاً ينكرونه ولم يعترض فيما يفعلونه، ثم دعاهم فقتل منهم أثني عشر رجلاً، فنفر أهل البلد وحملوا السلاح، فأعطاهم الأمان، وأمر فنودي: من دخل الجامع فهو آمن؛ فأتاه الناس يهرعون إليه، فأقام يحيى الرجال على أبواب الجمع، فقتلوا الناس قتلاً ذريعاً أسرفوا فيه، فقيل: إنه قتل فيه أحد عشر ألفاً ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلقاً كثيراً.
فلما كان الليل سمع يحيى صراخ النساء اللاتي قتل رجالهن، فسأل عن ذلك الصوت فأخبر به، فقال: إذا كان الغد فاقتلوا النساء والصبيان. ففعلوا ذلك، وقتل منهم ثلاثة أيام، وكان في عسكره قائد معه أربعة آلاف زنجي، فأخذوا النساء قهراً.فلما فرغ يحيى من قتل أهل الموصل في اليوم الثالث ركب اليوم الرابع وبين يديه الحراب والسيوف المسلولة، فاعترضته امرأة وأخذت بعنان دابته، فأراد أصحابه قتلها فنهاهم عن ذلك، فقالت: له: ألست من بني هشام؟ أست ابن عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ أما تأنف للعربيات المسلمات أن ينكحهن الزنج؟ فأمسك عن جوابها وسير معها من يبلغها مأمنها، وقد عمل كلامها فيه. فلما كان الغد جمع الزنج للعطاء، فاجتمعوا، فأمر بهم فتلوا عن آخرهم.
وقيل: كان السبب في قتل أهل الموصل ما ظهر منهم من محبة بني أمية وكراهة بني العباس، وأن امرأة غسلت رأسها وألقت الخطمي من السطح فوقع على رأس بعض الخراسانية فظنها فعلت ذلك تعمداً، فهاجم الدار، وقتل أهلها، فثار أهل البلد وقتلوه، وثارت الفتنة وفيمن قتل معروف بن أبي معروف، وكان زاهداً عابداً، وقد أدرك كثيراً من الصحابة.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها وجه السفاح أخاه المنصور والياً على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية، وفيها عزل عمه داود بن علي عن الكوفة وسوادها وولاه المدينة ومكة واليمن واليمامة،وولى موضعه من عمل الكوفة ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد، فاستقضى عيسى على الكوفة ابن أبي ليلى.
وكان العامل على البصرة هذه السنة سفيان بن عينة المهلبي، وعلى قضائها الحجاج بن أرطاة، وعلى السند منصور بن جمهور، وعلى فارس محمد بن الأشعث، وعلى الجزيرة وأرمينية وأذربيجان أبو جعفر بن محمد بن علي، وعلى الموصل يحيى بن محمد بن علي، وعلى الشام عبد الله بن علي، وعلى مصر أبو عون عبد لملك بن يزيد، وعلى خراسان والجبال أبو مسلم، وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك.
وحج بالناس هذه السنة داود بن علي.
وفيها قتل يحيى بن معاوية بن هشام بن عبد الملك مع مروان بن محمد بالزاب، ويحيى أخو عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس. وفيها قتل يونس ابن مغيرة بن حلين بدمشق لما دخلها عبد الله بن علي، وكان عمره عشرين ومائة سنة، قتله رجلان من خراسان ولم يعرفاه، فلما عرفاه بكيا عليه، وقيل: بل عضته دابة من دوابه فقتلته، وكان ضريراً. وفيها مات صفوان بن سليم مولى حميد بن عبد الحمن. وفيها توفي محمد بن أبي كبر نب محمد بن عمرو بن حزم بالمدينة، وكان قاضيها. وفيها مات همام بن منبه. وعبد الله ابن عوف. وسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري. وخبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يسار الأنصاري، وهو خال عبيد الله بن عمر العمري؛ خبيب بضم الخاء المعجمة، وفتح الحاء والراء المهملتين.
وفيها توفي عبد الله بن طاووس بن كيسان الهمداني من عباد أهل اليمن وفقهائهم. ثم دخلت:

.سنة ثلاث وثلاثين ومائة:

.ذكر ملك الروم ملطية:

في هذه السنة أقبل قسطنطين، ملك الروم، إلى ملطية وكمخ، فنازل كمخ، فأرسل أهلها إلى أهل ملطية يسنجدونهم، فسار إليهم منها ثمانمائة مقاتل، فقاتلهم الروم، فانهزم المسلمون، ونازل الروم ملطسة وحصروها، والجزيرة يومئذ مفتونة بما ذكرناه، وعاملها موسى بن كعب بحران.
فأرسل قسطنطين إلى أهل ملطية: إني لم أحصركم إلا على علم من المسلمين واختلافهم، فلكم الأمان وعودون إلى بلاد المسلمين حتى أحترث ملطية. فلم يجيبوه إلى ذلك، فنصب المجانيق، فأذعنوا وسلموا البلاد على المان وانتقلوا إلى بلاد الإسلام وحملوا ما أمكنهم حمله، وما لم قدروا على حمله ألقوه في الآبار والمجاري.
فلما ساروا عنها أخربها الروم ورحلوا عنها عائدين، وتفرق أهلها في بلاد الجزيرة، وسار ملك الروم إلى قاليقلا فنزل مرج الخصي، وأرسل كوشان الأرمني فحصرها، فنقب إخوان من الأرمن من أهل المدينة ردماً كان في سورها، فدخل كوشان ومن معه المدينة وغلبوا عليها وقتلوا رجالها وسبوا النساء وساق القائم إلى ملك الروم.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة وجه السفاح عمه سليمان بن علي والياً على البصرة واعمالها وكور دجلة والبحرين وعمان ومهر جانقذق، واستعمل عمه إسماعيل بن علي على الأهواز.
وفيها قتل داود بن علي من ظفر به من بني أمية بمكة والمدينة، ولما أراد قتلهم قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا أخي إذا قتلت هؤلاء فمن تباهي بملكه؟ أما يكفيك أن يروك غادياً ورائحاً فيما يذلهم ويسؤهم؟ فلم يقبل منه وقتلهم.
وفيها مات داود بن علي بالمدينة في شهر ربيع الأول، واستخلف حين حضرته الوفاة ابنه موسى، ولما بلغت السفاح وفاته استعمل على مكة والمدينة والطائف واليمامة خاله زياد بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي، ووجه محمد ابن يزيد بن عبد الله بن عبد المدان على اليمن. فلما قدم زياد المدينة وجه إبراهيم بن حسان السلمي، وهي أبو حماد الأبرص بن المثنى، وإلى يزيد بن عمر ابن هيرة، وهو باليمامة، فقتله وقتل أصحابه.
وفيها توجه محمد بن الأشعث إلى إفريقية فقاتل أهلها قتالاً شديداً حتى فتحها. وفيها خرج شريك بن شيخ المهري ببخارى على أبي مسلم ونقم عليه وقال: ما على هذا اتبعنا آل محمد، أن نسفك الدماء وأن يعمل بغير الحق! وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفاً، فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله، وقتله زياد.
وفيها توجه أبو داود خالد بن إبراهيم إلى الختل فدخلها، ولم يمتنع عليه حبيش بن الشبل ملكها بل تحصن منه هو وأناس من الدهاقين، فلما ألح عليه أبو داود خرج من الحصن هو ومن معه من دهاقينه وشاكريته حتى انتهوا إلى أرض فرغانة، ثم دخلوا بلد الترك وانتهوا إلى ملك الصين، وأخذ أبو داود من ظفر به منهم فبعث بهم إلى أبي مسلم.
وفيها قتل عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بالموصل، قتله سليمان الذي يقال له الأسود بأمان كتبه له.
وفيها وجه صالح بن علي سعيد بن عبد الله ليغزو الصائفة وراء الدروب.وفيها عزل يحيى بن محمد على الموصل واستعمل مكانه إسماعيل بن علي.وإنما عزل يحيى لقتله أهل الموصل وسوء أثره فيهم.
وحج بالناس هذه السنة زياد بن عبيد الله الحارثي. وكان العمال من ذكرنا إلا الحجاز واليمن والموصل فقد ذكرنا من استعمل عليها.
وفيها تخالف إخشيد فرغانة وملك الشاش، فاستمد إخشيد ملك الصين فأمده بمائة ألف مقاتل، فحصروا ملك الشاش، فنزل على حكم ملك الصين، فلم يتعرض له ولأصحابه بما يسؤهم، وبلغ الخبر أبا مسلم فوجه إلى حربهم زياد بن صالح، فالتقوا على نهر طراز فظفر بهم المسلمون وقتلوا منهم زهاء خمسين ألفاً وأسروا نحو عشرين ألفاً وهرب الباقون إلى الصين؛ وكانت الوقعة فذ ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين.
وفيها توفي موان بن أبي سعيد. وابن المعلى الزرقي الأنصاري. وعلي ابن بذيمة مولى جابر بن سمرة السوائي.
بذيمة بفتح الباء الموحدة، وكسر الذال المعجمة. ثم دخلت: